وقال الآلوسى :
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي أعرضوا عن قبول الحكم بما أنزل الله تعالى إليك وأرادوا غيره ﴿ فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ وهو ذنب التولي والإعراض، فهو بعض مخصوص والتعبير عنه بذلك للإيذان بأن لهم ذنوباً كثيرة، وهذا مع كمال عظمه واحد من جملتها، وفي هذا الإبهام تعظيم للتولي كما في قوله :
تراك أمكنة إذا لم أرضها...
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
يريد بالبعض نفسه أي نفساً كبيرة ونفساً أي نفس، وقال الجبائي : ذكر البعض وأريد الكل كما يذكر العموم ويراد به الخصوص، وقيل : المراد بعض مبهم تغليظاً للعقاب كأنه أشير إلى أنه يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم أي بعض كان، ويهلكوا ويدمر عليهم بذلك، وزعم بعضهم أنه لا يصح إرادة الكل لأن المراد بهذه الإصابة عقوبة الدنيا وهي تختص ببعض الذنوب دون بعض، والذي يعم إنما هو عذاب الآخرة وهذه الإصابة على ما روي عن الحسن إجلاء بني النضير، وقيل : قتل بني قريظة، وقيل : هي أعم من ذلك، وما عرى بني قينقاع وأهل خيبر وفدك، ولعله الأولى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقولُه :﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾ المقصود منه افتضاح مكرهم وتأييسهم ممّا أمَّلوه، لأنّ حذر النّبيء ﷺ من ذلك لا يحتاج فيه إلى الأمر لعصمته من أن يخالف حكم الله.
ويجوز أن يكون المقصود منه دحض ما يتراءى من المصلحة في الحكم بين المتحاكمين إليه من اليهود بعوائدهم إن صحّ ما روي من أنّ بعض أحبارهم وعدوا النّبيء بأنّه إن حكم لهم بذلك آمنوا به واتّبعتهم اليهود اقتداء بهم، فأراه الله أنّ مصلحة حرمة أحكام الدين ولو بينَ غير أتباعه مقدّمة على مصلحة إيمان فريق من اليهود، لأجل ذلك فإنّ شأن الإيمان أن لا يقاوِل النّاس على اتّباعه كما قدّمناه آنفاً.
والمقصود مع ذلك تحذير المسلمين من توهّم ذلك.
ولذلك فرّع عليه قوله :﴿ فإن تولّوا ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾