فلما ثبت أن المراد بهذه الآية هو إبو بكر ثبت أن قوله ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ وصف لأبي بكر، ومن وصفه الله تعالى بذلك يمتنع أن يكون ظالماً، وذلك يدل على أنه كان محقاً في إمامته، وثانيها : قوله ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾ وهو صفة أبي بكر أيضاً الدليل الذي ذكرناه، ويؤكده ما روي في الخبر المستفيض أنه عليه الصلاة والسلام قال :" ارحم أمتي بأمتي أبو بكر " فكان موصوفاً بالرحمة والشفقة على المؤمنين وبالشدة مع الكفار، ألا ترى أن في أول الأمر حين كان الرسول ﷺ في مكة وكان في غاية الضعف كيف كان يذب عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكيف كان يلازمه ويخدمه، وما كان يبالي بأحد من جبابرة الكفار وشياطينهم، وفي آخر الأمر أعني وقت خلافته كيف لم يلتفت إلى قول أحد، وأصر على أنه لا بدّ من المحاربة مع مانعي الزكاة حتى آل الأمر إلى أن خرج إلى قتال القوم وحده، حتى جاء أكابر الصحابة وتضرعوا إليه ومنعوه من الذهاب، ثم لما بلغ بعث العسكر إليهم انهزموا وجعل الله تعالى ذلك مبدأ لدولة الإسلام، فكان قوله ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾ لا يليق إلا به، وثالثها : قوله ﴿يجاهدون فِى سَبِيلِ الله وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ فهذا مشترك فيه بين أبي بكر وعلي، إلا أن حظ أبي بكر فيه أتم وأكمل، وذلك لأن مجاهدة أبي بكر مع الكفار كانت في أول البعث، وهناك الإسلام كان في غاية الضعف، والكفر كان في غاية القوة، وكان يجاهد الكفار بمقدار قدرته، ويذب عن رسول الله بغاية وسعه، وأما علي عليه السلام فإنه إنما شرع في الجهاد يوم بدر وأُحد، وفي ذلك الوقت كان الإسلام قوياً وكانت العساكر مجتمعة، فثبت أن جهاد أبي بكر كان أكمل من جهاد علي من وجهين : الأول : أنه كان متقدماً عليه في الزمان، فكان أفضل لقوله تعالى :{لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن


الصفحة التالية
Icon