وقال الشوكانى :
قوله :﴿ يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ﴾ الظاهر أنه خطاب للمؤمنين حقيقة ؛ وقيل المراد بهم : المنافقون، ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه.
وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك.
والأولى : أن يكون خطاباً لكل من يتصف بالإيمان أعمّ من أن يكون ظاهراً وباطناً أو ظاهراً فقط، فيدخل المسلم والمنافق، ويؤيد هذا قوله :﴿ فَتَرَى الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ والاعتبار بعموم اللفظ، وسيأتي في بيان سبب نزول الآية ما يتضح به المراد.
والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء، أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة.
وقوله :﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ تعليل للنهي، والمعنى : أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم، وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى، وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق ﴿ وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَىْء وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَىْء ﴾ [ البقرة : ١١٨ ] وقيل : المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها، وتناصرها على عداوة النبي ﷺ وعداوة ما جاء به، وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادّين.
ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال :﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ أي : فإنه من جملتهم وفي عدادهم وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر، هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية.


الصفحة التالية
Icon