وقوله تعالى :﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ أي من جملتهم، وحكمه حكمهم كالمستنتج مما قبله، وهو مخرج مخرج التشديد والمبالغة في الزجر لأنه لو كان المتولي منهم حقيقة لكان كافراً وليس بمقصود، وقيل : المراد ومن يتولهم منكم فإنه كافر مثلهم حقيقة، وحكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولعل ذلك إذا كان توليهم من حيث كونهم يهوداً أو نصارى، وقيل : لا بل لأن الآية نزلت في المنافقين، والمراد أنهم بالموالاة يكونون كفاراً مجاهرين.
وقوله سبحانه :﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾ أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم، تعليل آخر على ما قيل : يتضمن عدم نفع موالاة الكفرة بل ترتب الضرر عليها، وقيل : هو تعليل لكون من يتولاهم منهم أي لا يهديهم إلى الإيمان بل يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفر والضلالة، وإنما وضع المظهر موضع ضميرهم تنبيهاً على أن توليهم ظلم لما أنه تعريض للنفس للعذاب الخالد ووضع للشيء في غير موضعه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ﴾
تهيّأت نفوس المؤمنين لقبول النّهي عن موالاة أهل الكتاب بعد ما سمعوا من اضطراب اليهود في دينهم ومحاولتهم تضليل المسلمين وتقليبَ الأمور للرسول ﷺ فأقبل عليهم بالخطاب بقوله :﴿ يأيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى ﴾ الآية، لأنّ الولاية تنبنِي على الوفاق والوئام والصّلة وليس أولئك بأهل لولاية المسلمين لبُعد ما بين الأخلاق الدّينيّة، ولإضمارهم الكَيد للمسلمين.
وجرّد النّهي هنا عن التّعليل والتّوجيه اكتفاء بما تقدّم.
والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً.


الصفحة التالية
Icon