جعل ولايتهم موجّبة كونَ المتولّي منهم، وهذا بظاهره يقتضي أنّ ولايتهم دخولٌ في ملّتهم، لأنّ معنى البعضية هنا لا يستقيم إلاّ بالكون في دينهم.
ولمّا كان المؤمن إذا اعتقد عقيدة الإيمان واتّبع الرسول ولم ينافق كان مسلماً لا محالة كانت الآية بحاجة إلى التأويل، وقد تأوّلها المفسّرون بأحد تأويلين : إمّا بحمل الولاية في قوله :﴿ ومن يتولّهُم ﴾ على الولاية الكاملة الّتي هي الرّضى بدينهم والطعنُ في دين الإسلام، ولذلك قال ابن عطيّة : ومن تولاّهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر والخلود في النّار.
وأمّا بتأويل قوله :﴿ فإنّه منهم ﴾ على التشبيه البليغ، أي فهو كواحد منهم في استحقاق العذاب.
قال ابن عطيّة : من تولاّهم بأفعاله من العَضْد ونحوه دون معتقدهم ولا إخلال بالإيمان فهو منهم في المقت والمذمّة الواقعة عليهم أ هـ.
وهذا الإجمال في قوله :﴿ فإنّه منهم ﴾ مبالغة في التّحذير من موالاتهم في وقت نزول الآية، فالله لم يرض من المسلمين يومئذٍ بأن يتولّوا اليهود والنّصارى، لأنّ ذلك يلبسهم بالمنافقين، وقد كان أمر المسلمين يومئذٍ ي حيرة إذ كان حولهم المنافقُون وضعفاء المسلمين واليهود والمشركون فكان من المتعيّن لحفظ الجامعة التّجرّد عن كلّ ما تتطرّق مِنه الرّبية إليهم.
وقد اتّفق عُلماء السنّة على أنّ ما دون الرّضا بالكفر وممالاتهم عليه من الولاية لا يُوجب الخروج من الربقة الإسلاميّة ولكنّه ضلال عظيم، وهو مراتب في القُوّة بحسب قوّة الموالاة وباختلاف أحوال المسلمين.