وقيل في قوله تعالى : أو أمر من عنده } هو إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم، لم يكن للناس فيه فعل بل طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب، وقتل قريظة وسبي ذراريهم قاله : ابن السائب ومقاتل.
وقيل : إذلالهم حتى يعطوا الجزية.
وقيل : الخصب والرّخاء قاله ابن قتيبة.
وقال الزجاج : إظهار أمر المنافقين وتربصهم الدوائر.
وقال ابن عطية : ويظهر أنّ هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو مما ترتب على سعي النبي وأصحابه ونسب جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إمّا بفتح يقتضي تلك الأعمال، وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع، هو أيضاً فتح لا يقع للبشر فيه تسبب انتهى.
﴿ فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ﴾ أي يصيرون نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أنّ أمر النبي لا يتم، ولا تكون الدولة لهم إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده.
وقيل : موالاتهم.
وقرأ ابن الزبير : فتصبح الفساق جعل الفساق مكان الضمير.
قال ابن عطية : وخص الإصباح بالذكر لأنّ الإنسان في ليله مفكر، فعند الصباح يرى الحالة التي اقتضاها فكره انتهى.
وتقدم لنا نحو من هذا الكلام، وذكرنا أن أصبح تأتي بمعنى صار من غير اعتبار كينونة في الصباح، واتفق الحوفي وأبو البقاء على أن قوله : فيصبحوا معطوف على قوله :﴿ أن يأتي ﴾ وهو الظاهر، ومجور ذلك هو الفاء، لأن فيها معنى التسبب، فصار نظير الذي يطير فيغضب زيد الذباب، فلو كان العطف بغير الفاء لم يصح، لأنه كان يكون معطوفاً على أن يأتي خبر لعسى، وهو خبر عن الله تعالى، والمعطوف على الخبر خبر، فيلزم أن يكون فيه رابط إن كان مما يحتاج إلى الرابط، ولا رابط هنا، فلا يجوز العطف.
لكنّ الفاء انفردت من بين سائر حروف العطف بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة كما مثله، أو صفة نحو مررت برجل يبكي فيضحك عمرو، أو خبر نحو زيد يقوم فيقعد بشر.


الصفحة التالية
Icon