وَصَفَ اللهُ هَؤُلَاءِ الْكَمَلَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِسِتِّ صِفَاتٍ :(الصِّفَةُ الْأُولَى) : أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّهُمْ ; فَالْحُبُّ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي أُسْنِدَتْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهُوَ تَعَالَى يُحِبُّ وَيُبْغِضُ كَمَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ، وَلَا يُشْبِهُ حُبُّهُ حُبَّ الْبَشَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْبَشَرَ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٤٢ : ١١) وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ لَا يُشْبِهُ عِلْمَ الْبَشَرِ، وَلَا قُدْرَتُهُ تُشْبِهُ قُدْرَتَهُمْ، وَلَا نَتَأَوَّلُ حُبَّهُ بِالْإِثَابَةِ وَحُسْنِ الْجَزَاءِ، كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ فِرَارًا مِنَ التَّشْبِيهِ إِلَى التَّنْزِيهِ ; إِذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَتَنْزِيهِ الذَّاتِ، وَإِلَّا لَاحْتَجْنَا إِلَى تَأْوِيلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَهُمْ لَا يَتَأَوَّلُونَهَا، وَلَا يُخْرِجُونَ مَعَانِيَهَا عَنْ ظَوَاهِرِ أَلْفَاظِهَا ; فَمَحَبَّتُهُ تَعَالَى لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنْ عِبَادِهِ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ، لَا نَبْحَثُ
عَنْ كُنْهِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَحُسْنُ الْجَزَاءِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْإِثَابَةِ قَدْ يَكُونُ مِنْ آثَارِهَا، قَالَ تَعَالَى :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبَعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٣ : ٣١) فَجَعَلَ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِلْمُتَّبِعِينَ وَلِلْمَغْفِرَةِ. فَكُلٌّ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ جَزَاءٌ مُسْتَقِلٌّ ; إِذِ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.


الصفحة التالية
Icon