فائدة
قال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِثْمَ ﴾ قِيلَ فِيهِ : إنَّ مَعْنَاهُ " هَلَّا " وَهِيَ تَدْخُلُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا كَانَتْ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ :" لِمَ لَا تَفْعَلُ " وَهِيَ هَهُنَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، يَقُولُ : هَلَّا يَنْهَاهُمْ وَلِمَ لَا يَنْهَاهُمْ وَإِذَا كَانَتْ لِلْمَاضِي فَهُوَ لِلتَّوْبِيخِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ ﴿ لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾.
وَقِيلَ فِي الرَّبَّانِيِّ : إنَّهُ الْعَالِمُ بِدِينِ الرَّبِّ، فَنُسِبَ إلَى الرَّبِّ، كَقَوْلِهِمْ :" رُوحَانِيٌّ " فِي النِّسْبَةِ إلَى الرُّوحِ، " وَبَحْرَانِيٌّ " فِي النِّسْبَةِ إلَى الْبَحْرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ :" الرَّبَّانِيُّونَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ، وَالْأَحْبَارُ عُلَمَاءُ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ".
وَقَالَ غَيْرُهُ :" هُوَ كُلُّهُ فِي الْيَهُودِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِذِكْرِهِمْ ".
وَذَكَرَ لَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ قَالَ :" الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ الْعَامِلُ ".
وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَالِاجْتِهَادِ فِي إزَالَتِهِ، لِذَمِّهِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾
سؤال : فإن قيل : لم عبّر في الأوّل بـ [ يعملون] وفي الثاني بـ [ يصنعون] ؟
أجيب : بأنّ كل عامل لا يسمّى صانعاً ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب ولذلك ذم بهذا خواصهم ولأنّ ترك الإنكار على المعصية أقبح من مواقعة المعصية لأنّ النفس تلتذ بها وتميل إليها، ولا كذلك ترك الإنكار عليها فكان جديراً بأبلغ الذمّ فيدخل في الذمّ كل من كان قادراً على النهي عن المنكر من العلماء أو غيرهم وتركه. أ هـ ﴿السراج المنير حـ ٢ صـ ٥٦ ـ ٥٧﴾


الصفحة التالية
Icon