وقال الآلوسى :
﴿ وَأَنْ أَكْثَرُهُمْ فاسقون ﴾ أي متمردون خارجون عن دائرة الإيمان بما ذكر، فإن الكفر بالقرآن العظيم مستلزم للكفر بسائر الكتب كما لا يخفى، والواو للعطف وما بعدها عطف على ﴿ مِنَّا إِلاَّ ﴾.
واختار بعض أجلة المحققين أنه مفعول له لتنقمون والمفعول به الدين، وحذف ثقة بدلالة ما قبل وما بعد عليه دلالة واضحة، فإن اتخاذ الدين هزواً ولعباً عين نقمه وإنكاره، والإيمان بما فصل عين الدين الذي نقموه، خلا أنه ( أبرز ) في معرض علة نقمهم له تسجيلاً عليهم بكمال المكابرة والتعكيس حيث جعلوه موجباً لنقمه مع كونه في نفسه موجباً لقبوله وارتضائه، فالاستثناء على هذا من أعم العلل أي ما تنقمون منا ديننا لعلة من العلل إلا لإيماننا بالله تعالى وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل من كتبكم ولأن أكثركم متمردون غير مؤمنين بشيء مما ذكر حتى لو كنتم مؤمنين بكتابكم الناطق بصحة كتابنا لآمنتم به، وقدر بعضهم المفعول المحذوف شيئاً ولا أرى فيه بأساً، وقيل : العطف على ﴿ مِنَّا إِلاَّ ﴾ باعتبار كونه المفعول به لكن لا على أن المستثنى مجموع المعطوفين إذ لا يعترفون أن أكثرهم فاسقون حتى ينكروه بل هو ما يلزمهما من المخالفة، فكأنه قيل : هل تنكرون منا إلا أنا على حال يخالف حالكم حيث دخلنا في الإسلام وخرجتم منه بما خرجتم، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي واعتقاد أن أكثركم فاسقون، وقيل : العطف على المؤمن به أي هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وبأن أكثركم كافرون، وهذا في المعنى كالوجه الذي قبله.
وقيل : العطف على علة محذوفة، وقد حذف الجار في جانب المعطوف، ومحله إما جر أو نصب على الخلاف المشهور أي هل تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون، وقيل : هو منصوب بفعل مقدر منفي دل عليه المذكور أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون، وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف، ويقدر مقدماً عند بعض لأن ﴿ إن ﴾ المفتوحة لا يقع ما معها مبتدأ إلا إذا تقدم الخبر.


الصفحة التالية
Icon