فِيهِمْ غَيْرُ سِيَاسَتِهِ مَعَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ; وَلِذَلِكَ أَجَازَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِيَ مِنْ آخَرَ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ، أَكْلَ طَعَامِهِمْ، وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ، وَشَرَعَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَنَهَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَفِي الْآيَةِ تَمْيِيزُهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِطْلَاقِ اللَّقَبِ ; إِذْ خَصَّهُمْ فِي الْمُقَابَلَةِ بِلَقَبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَقَّبَ الْمُشْرِكِينَ بِالْكُفَّارِ، كَمَا يُعَبِّرُ
عَنْهُمْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى بِالْمُشْرِكِينَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ; لِأَنَّهُمْ لِوَثَنِيَّتِهِمْ عَرِيقُونَ فِي الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَأُصَلَاءُ فِيهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَكَانَ قَدْ عَرَضَ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ لِلْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ عَرُوضًا، وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ازْدَادَ الْمُعَانِدُونَ مِنْهُمْ كُفْرًا بِجُحُودِ نُبُوَّتِهِ، وَإِيذَائِهِ.
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَمْرِ الْمُوَالَاةِ، فَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَيَنْقَلِبُ الْغَرَضُ إِلَى ضِدِّهِ، فَتَكُونُ وَهْنًا لَكُمْ، لَا نَصْرًا، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ صَادِقِينَ فِي إِيمَانِكُمْ، تَحْفَظُونَ كَرَامَتَهُ، وَتَتَجَنَّبُونَ مَهَانَتَهُ.


الصفحة التالية
Icon