ثم قال تعالى :﴿وَيَسْعَوْنَ فِى الأرض فَسَاداً﴾ أي ليس يحصل في أمرهم قوة من العزة والمنعة، إلا أنهم يسعون في الأرض فساداً، وذلك بأن يخدعوا ضعيفاً، ويستخرجوا نوعاً من المكر والكيد على سبيل الخفية.
وقيل : إنهم لما خالفوا حكم التوراة سلّط عليهم بختنصر، ثم أفسدوا فسلّط عليهم بطرس الرومي، ثم أفسدوا فسلّط عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلّط عليهم المسلمين.
ثم قال تعالى :﴿والله لا يُحِبُّ المفسدين﴾ وذلك يدل على أن الساعي في الأرض بالفساد ممقوت عند الله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٣٩﴾
وقال الآلوسى :
﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ﴾ تصريح بما أشير إليه من عدم وصول غائلة ما هم فيه إلى المسلمين، والمراد كلما أرادوا محاربة الرسول ﷺ ورتبوا مباديها ردّهم الله تعالى وقهرهم بتفرق آرائهم وحل عزائمهم وإلقاء الرعب في قلوبهم، فإيقاد النار كناية عن إرادة الحرب، وقد كانت العرب إذا تواعدت للقتال جعلوا علامتهم إيقاد نار على جبل أو ربوة ويسمونها نار الحرب، وهي إحدى نيران مشهورة عندهم، وإطفاؤها عبارة عن دفع شرهم، وحكى في "البحر" قولين في الآية :"فعن قوم أن الإيقاد حقيقة، وكذا الإطفاء أي أنهم كلما أوقدوا ناراً للمحاربة ألقى عليهم الرعب فتقاعدوا وأطفأوها، وإضافة الإطفاء إليه تعالى إضافة المسبب إلى السبب الأصلي.