وقد يورد سبباً معقولاً. ولكن لا يقول أحد أبداً : لا عيب في فلان إلا أنه شهم ؛ لأن الشهامة لا يمكن أن تكون عيباً، كأن القائل قد أعمل ذهنه حتى يكتشف عيباً، لم يجد إلا صفة رائعة، وقال عنها : إن كنت تعتبر هذه الصفة عيباً فهذا هو عيبه. ويسمون ذلك من أساليب الأداء الأدبي عند العرب وهو تأكيد المدح بما يشبه الذم، فيقول قائل : لا عيب في فلان إلا كذا. وساعة يسمع السامع هذا يظن أن العيب الذي سيورده هو صفة قبيحة فيفاجأ بأنها خصلة جميلة. وبذلك يؤكد القائل المدح بما يشبه الذم :﴿ قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾.
أنتم تقولون : إنكم أهل كتاب وعندكم التوارة، وكان يجب أن تعلموا كيف يشذب الإيمان النفوس ويدفع عنها الشر ؛ لأن لكم سابقة في الإيمان، فقد آمنتم بالله وبالرسل السابقين على موسى وآمنتم بموسى، والمسلمون آمنوا بالله وآمنوا بما أنزل إليهم وآمنوا بالرسل ومنهم موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم فكيف يُكره ذلك؟
وإن كان هذا مما يُكره فعلينا كمؤمنين أن نسألكم : لماذا تنكرون علينا ذلك؟ لا شك أنكم تنكرون علينا إيماننا بالله لأنها قضية غير واضحة في أذهانكم.
ولو كانت واضحة في أذناهكم ما كرهتم إيماننا. إذن فمسألة الإيمان بالله غير مستقرة في وجدانكم كأهل كتاب بدليل أنكم تكرهون من آمن بالله، ودليل ذلك أنكم أنزلتم الله منزلة لا تليق بكماله، فجسمتموه وقلتم :﴿ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ﴾ [ البقرة : ٥٥ ].
وقلتم :﴿ إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ﴾ [ آل عمران : ١٨١ ].
وقلتم :﴿ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ ﴾ [ المائدة : ٦٤ ].


الصفحة التالية
Icon