قوله تعالى :﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ﴾ حُذفت الضّمة من الياء لثقلها ؛ أي غُلّت في الآخرة، ويجوز أن يكون دعاء عليهم،
وكذا ﴿ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ﴾ والمقصود تعليمنا كما قال :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] ؛ علمنا الاستثناء كما علّمنا الدعاء على أبي لهب بقوله :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] وقيل : المراد أنهم أبخل الخلق ؛ فلا ترى يهودياً غير لئيم.
وفي الكلام على هذا القول إضمار الواو ؛ أي قالوا : يد الله مغلولة وغلت أيديهم.
واللعن الإبعاد، وقد تقدّم.
قوله تعالى :﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ ابتداء وخبر ؛ أي بل نعمته مبسوطة ؛ فاليد بمعنى النعمة.
قال بعضهم : هذا غلط ؛ لقوله :"بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ" فنِعَم الله تعالى أكثر من أن تحصى فكيف تكون بل نعمتاه مبسوطتان؟ وأُجيب بأنه يجوز أن يكون هذا تثنية جنس لا تثنية واحد مفرد ؛ فيكون مثل قوله عليه السلام :" مَثَلُ المنافِق كالشاة العائرة بين الغنمين " فأحد الجنسين نعمة الدنيا، والثاني نعمة الآخرة.
وقيل نعمتا الدنيا النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة ؛ كما قال :﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [ لقمان : ٢٠ ].
وروى ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال فيه :" النعمة الظاهرة ما حسن من خلقك، والباطنة ما سَتَر عليك من سيّء عملك " وقيل : نعمتاه المطر والنبات اللتان النعمة بهما ومنهما.
وقيل : إنّ النعمة للمبالغة ؛ كقول العرب :"لبيك وسعديك" وليس يريد الاقتصار على مرتين ؛ وقد يقول القائل : مالي بهذا الأمر يد أي قوّة.
قال السديّ ؛ معنى قوله "يداه" قوتاه بالثواب والعقاب، بخلاف ما قالت اليهود : إن يده مقبوضة عن عذابهم.