ومن فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُمْ وَصَفُوهُ بِالْبُخْلِ وَقَالُوا : هُوَ مَقْبُوضُ الْعَطَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾.
وَقَالَ الْحَسَنُ :" قَالُوا هِيَ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عِقَابِنَا ".
مَطْلَبٌ : فِي مَعَانِي الْيَدِ وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ تَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ : مِنْهَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِنْهَا النِّعْمَةُ، تَقُولُ : لِفُلَانٍ عِنْدِي يَدٌ أَشْكُرُهُ عَلَيْهَا، أَيْ نِعْمَةٌ وَمِنْهَا الْقُوَّةُ.
فَقَوْلُهُ ﴿ أُولِي الْأَيْدِي ﴾ فَسَّرُوهُ بِأُولِي الْقُوَى ؛ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : تَحَمَّلْت مِنْ ذَلْفَاءَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ وَلَا لِلْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ يَدَانِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :﴿ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ يَعْنِي يَمْلِكُهَا.
وَمِنْهَا الِاخْتِصَاصُ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ أَيْ تَوَلَّيْت خَلْقَهُ.
وَمِنْهَا التَّصَرُّفُ، كَقَوْلِك :" هَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِ فُلَانٍ " يَعْنِي التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالسُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ : إنَّهُ قَالَ تَعَالَى :﴿ بَلْ يَدَاهُ ﴾ عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ نِعْمَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى نِعْمَةُ الدِّينِ.
وَالثَّانِي : قُوَّتَاهُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْيَهُودِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِقَابِنَا.


الصفحة التالية
Icon