ومن فوائد ابن عطية فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿ وقالت اليهود ﴾ إلى قوله ﴿ لا يحب المفسدين ﴾ هذه الآية تعديد كبيرة من أقوالهم وكفرهم أي فمن يقول هذه العظيمة فلا يستنكر عليه أن ينافق عليك يا محمد ويسعى في رد أمر الله الذي أوحاه إليك، وقال ابن عباس وجماعة من المتأولين معنى قولهم التبخيل، وذلك أنهم لحقتهم سنة وجهد فقالوا هذه العبارة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعة، وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى :﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ﴾[ الإسراء : ٢٩ ] فإنما المراد لا تبخل، ومنه قول النبي ﷺ : مثل البخيل والمتصدق، الحديث وذكر الطبري والنقاش أن هذه الآية نزلت في فنحاص اليهودي وأنه قالها، وقال الحسن بن أبي الحسن قوله :﴿ يد الله مغلولة ﴾ إنما يريدون عن عذابهم فهي على هذا في معنى قولهم ﴿ نحن أبناء الله وأحباؤه ﴾ [ المائدة : ١٨ ] وقال السدي أرادوا بذلك أن يده مغلولة حتى يرد علينا ملكنا.
قال القاضي أبو محمد : فكأنهم عنوا أن قوته تعالى نقصت حتى غلبوا ملكهم، وظاهر مذهب اليهود لعنهم الله في هذه المقالة التجسيم، وكذلك يعطي كثير من أقوالهم، وقوله تعالى :﴿ غلت أيديهم ﴾ دعاء عليهم، ويحتمل أن يكون خبراً، ويصح على كلا الاحتمالين أن يكون ذلك في الدنيا وأن يراد به الآخرة، وإذا كان خبراً عن الدنيا فالمعنى غلت أيديهم عن الخير والإنفاق في سبيل الله ونحوه وإذا كان خبراً عن الآخرة فالمعنى غلت في نار جهنم أي حتم هذا عليهم ونفذ به القضاء كما حتمت عليهم اللعنة بقولهم هذا وبما جرى مجراه، وقرأ أبو السمال " ولعْنوا " بسكون العين، وذلك قصد للتخفيف لا سيما هنا الهبوط من ضمة إلى كسرة، وقوله تعالى :﴿ بل يداه مبسوطتان ﴾ العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله تعالى وأنه ليس بجسم ولا له جارحة ولا يشبه ولا يكيف ولا يتحيز في جهة كالجواهر ولا تحله الحوادث تعالى عما يقول المبطلون.


الصفحة التالية
Icon