ولذلك جاؤوا بلفظ مغلولة، ولا يغل إلا المقهور، فجاء قوله : غلت أيديهم، دعاء عليهم بغل الأيدي، فهم في كل بلد مع كل أمة مقهورون مغلوبون، لا يستطيع أحد منهم أن يستطيل ولا أن يستعلي، فهي استعارة عن ذلهم وقهرهم، وأن أيديهم لا تنبسط إلى دفع ضر ينزل بهم، وذلك مقابلة عما تضمنه قولهم : يد الله مغلولة، وليست هذه المقالة بدعاً منهم فقد قالوا :﴿ إن الله فقير ونحن أغنياء ﴾ ﴿ غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ﴾ يحتمل أن يكون خبراً وأن يكون دعاء وبما قالوا يحتمل أن يكون يراد به مقالتهم هذه ويحتمل أن يكون عاماً فيما نسبوه إلى الله مما لا يجوز نسبته إليه، فتندرج هذه المقالة في عموم ما قالوا.
وقرأ أبو السمال : بسكون العين كما قالوا : في عصر عصرون.
وقال الشاعر :
لو عصر منه البان والمسك انعصر...
ويحسن هذه القراءة أنها كسرة بين ضمتين، فحسن التخفيف.
﴿ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ﴾ معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه بشيء من خلقه، ولا يكيف، ولا يتحيز، ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين.
والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جارياً على طريقة العرب في قولهم : فلان ينفق بكلتا يديه.
ومنه قوله :
يداك يدا مجد فكف مفيدة...
وكفّ إذا ما ضنّ بالمال تنفق
ويؤيد أنّ اليدين هنا بمعنى الإنعام قرينة الإنفاق.
ومن نظر في كلام العرب عرف يقيناً أن بسط اليد وقبضها استعارة للجود والبخل، وقد استعملت العرب ذلك حيث لا يكون قال الشاعر :
جاد الحمى بسط اليدين بوابل...
شكرت نداه تلاعه ووهاده
وقال لبيد :
وغداة ريح قد وزعت وقرة...
قد أصبحت بيد الشمال زمامها
ويقال : بسط اليأس كفه في صدري، واليأس معنى لا عين وقد جعل له كفاً.


الصفحة التالية
Icon