والذي يظهر أن المعنى لا يزالون متباغضين متعادين، فلا يمكن اجتماع كلمتهم على قتالك، ولا يقدرون على ضررك، ولا يصلون إليك ولا إلى أتباعك، لأن الطائفتين لا توادّ بينهم فيجتمعان على حربك.
وفي ذلك إخبار بالمغيب، وهو أنه لم يجتمع لحرب المسلمين جيشا يهود ونصارى مذ كان الإسلام إلى هذا الوقت.
وأشار إلى هذا المعنى الزمخشري بقوله : فكلهم أبداً مختلف وقلوبهم شتى، لا يقع اتفاق بينهم، ولا تعاضد انتهى.
والعداوة أخص من البغضاء، لأن كل عدوّ مبغض، وقد يبغض من ليس بعدوّ.
وقال ابن عطية : وكأنّ العداوة شيء يشهد يكون عنه عمل وحرب، والبغضاء لا تتجاوز النفوس انتهى كلامه.
﴿ كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ﴾ قال قوم : هو على حقيقته وليس استعارة، وهو أن العرب كانت تتواعد للقتال، وعلامتهم إيقاد نار على جبل أو ربوة، فيتبادرون والجيش يسري ليلاً فيوقد من مرّ بهم ليلاً النار فيكون إنذاراً، وهذه عادة لنا مع الروم على جزيرة الأندلس، يكون قريباً من ديارهم رئية للمسلمين مستخف في جبل في غار، فإذا خرج الكفار لحرب المسلمين أوقد نار، فإذا رآها رئية آخر قد أعدّ للمسلمين في قريب من ذلك الجبل أوقد ناراً، وهكذا إلى أن يصل الخبر للمسلمين في أقرب زمان، ويعرف ذلك من أي جهة نهر من الكفار، فيعدّ المسلمون للقائهم.
وقيل : إذا تراءى الجمعان وتنازل العسكران أوقدوا بالليل ناراً مخافة البيات، فهذا أصل نار الحرب.
وقيل : كانوا إذا تحالفوا على الجدّ في حربهم أوقدوا ناراً وتحالفوا، فعلى كون النار حقيقة يكون معنى إطفائها أنه ألقى الله الرعب في قلوبهم فخافوا أن يغشوا في منازلهم فيضعون، فلما تقاعدوا عنهم أطفئوها، وأضاف تعالى الإطفاء إليه إضافة المسبب إلى سببه الأصلي.