" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى :" هل تَنْقِمُون " : قراءة الجُمْهُور بكسر القَافِ، وقراءة النَّخْعي، وابن أبي عَبْلَة، وأبي حَيْوَة بِفَتْحها، وهاتان القِرَاءتَانِ مفرَّعَتَان على المَاضِي، وفيه لُغَتَان : الفُصْحَى، وهي التي حَكَاهَا ثَعْلَب في " فَصِيحه " : نَقَم بفتح القَاف، يَنْقِم بِكَسْرها.
والأخرى : نَقِم بكسر القاف يَنْقَمُ بفَتْحِها، وحكاها الكَسَائي، ولم يَقْرأ في قوله تعالى :﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ [ البروج : ٨ ] إلا بالفتح.
قال الكسّائِي :" نقِم " بالكسر لُغَةً، ونَقَمْتُ الأمْر أيضاً، وَنَقِمْتُهُ إذا كَرِهْته، وانْتَقَم اللَّه منه إذا عَاقَبَه، والاسم منه : النِّقْمة، والجمع نَقِمَاتٌ ونَقِمٌ مثل كَلِمة وكَلِمَات وكَلِم، وإن شِئْت سَكَّنت القَافَ، ونَقَلْت حَرَكَتَها إلى النُّون فقلت نِقْمة، والجَمْع : نِقَم، مثل نِعْمة وَنِعَم، نقله القرطبي وأدغم الكسَائِي لام " أهَلْ " في تَاء " تَنْقِمُون "، وَلِذَلِكَ تُدْغَمُ لام " هَلْ " في التَّاء والنُّون ووافقه حَمْزة في التَّاء والثَّاء وأبُو عَمْرٍو في " هَلْ تَرَى " في موضعَيْن.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا ﴾، مفعول لـ " تَنْقِمُون " بمعنى : تَكْرَهُون وتَعِيبُون، وهو استِثْنَاء مُفَرَّغٌ.
و" مِنَّا " متعلِّق به، أيْ : ما تَكْرَهُون من جِهَتِنَا، إلاَّ الإيمَان وأصل " نَقَمَ " أن يتعدَّى بـ " عَلَى "، نقول :" نَقَمْتُ عليْهِ كذا " وإنَّما عُدِّيَ هُنَا بـ " مِنْ " لِمَعْنًى يَأتي.
وقال أبُو البَقَاء : و" منَّا " مفعول " تَنْقِمُون " الثَّاني، وما بَعْد " إلاَّ " هو المَفعُول الأوَّل، ولا يجُوز أن يكُون " منَّا " حالاً من " أنْ " والفِعْل لأمْرين :
أحدهما : تقدُّمُ الحالِ على " إلاَّ ".
والثاني : تقدم الصِّلَة على الموْصُول، والتَّقْدِير : هل تَكْرَهُون مِنَّا إلاَّ إيماننا.
انتهى.
وفي قوله : مَفْعُول أوَّل، ومفعول ثَان نَظَر ؛ لأنَّ الأفْعَال الَّتِي تتعدَّى لاثْنَيْن إلى أحدهما بِنَفْسِها، وإلى الآخَرِ بحَرْف الجرِّ مَحْصُورة كـ " أمر "، و" اخْتَار "، و" استغْفَرَ "، و" صَدَّق " و" سَمَّى "، و" دَعَا " بمعناه، و" زَوَّج "، و" نَبَّأ "، و" أنْبَأ "، و" خَبَّر "، و" أخْبَر "، و" حَدَّث " غير مُضَمَّنَةٍ معنى " أعْلَم "، وكلُّها يَجُوز فيها إسْقَاط الخَافِضِ والنَّصب، ولَيْسَ هذا مِنْها.