هذا مع أنه حقيق باشتداد العناية بهم لمبالغتهم في كتمان ما عندهم منه ﷺ فقال :﴿آمنوا﴾ أي بهذا النبي الكريم وما أنزل إليه من هذا الهدى ﴿واتقوا﴾ أي ما هددوا به في كتابهم على ترك الإيمان به على حسب ما دعاهم إليه كتابهم كما في قصة إسماعيل وغيرها إلى أن كان آخر ما فارقهم عليه موسى عليه السلام في آخر كتابهم التصريح بنبوته عليه السلام والإشارة إلى أن اتباعه أحق من اتباعه فقا : جاء ربنا من سيناء ؛ وشرق من ساعير، وتبدّى من جبال فاران، فأضاف الرب إليهم، وجعل الإتيان من جبال فاران - التي هي مكة، لا نزاع لهم في ذلك - تبدياً وظهوراً أي لاخفاء به بوجه، ولا ظهور أتم منه ﴿لكفّرنا﴾ وأشار إلى عظيم جرأتهم بمظهر العظمة ﴿عنهم سيئاتهم﴾ أي التي ارتكبوها قبل مجيئه وهي مما يسوء، أي يشتد تنكر النفس له أو تكرّهها، وأشار إلى سعة رحمته وأنها لا تضيق عن شيء أراده بمظهر العظمة فقال :﴿ولأدخلناهم﴾ أي بعد الموت ﴿جنات النعيم﴾ أي بدل ما هم فيه من هذا الشقاء الذي لا يدانيه شقاء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٩٩ ـ ٥٠٠﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بالغ في ذمهم وفي تهجين طريقتهم بين أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا، أما سعادات الآخرة فهي محصورة في نوعين : أحدهما : رفع العقاب، والثاني : إيصال الثواب، أما رفع العقاب فهو المراد بقوله ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئَاتهم﴾ وأما إيصال الثواب فهو المراد بقوله ﴿سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ﴾.
فإن قيل : الإيمان وحده سبب مستقل باقتضاء تكفير السيآت وإعطاء الحسنات، فلم ضم إليه شرط التقوى ؟
قلنا : المراد كونه آتياً بالإيمان لغرض التقوى والطاعة، لا لغرض آخر من الأغراض العاجلة مثل ما يفعله المنافقون. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٣٩ ـ ٤٠﴾


الصفحة التالية
Icon