وذكر بعض المحققين أن بعضاً فسر قوله سبحانه :﴿ لأكَلُواْ ﴾ الخ بقوله : لوسع عليهم الرزق، وفسر التوسعة بأوجه ذكرها، ولم يجعله شاملاً لرزق الدارين، ولو حمل على الترقي، وتفصيل ما أجمل في الأول شرطاً وجزاءاً لكان وجهاً انتهى، وبهذا الوجه أقول وإليه أتوجه، وإني أراه كالمتعين إلا أن الشرطيتين عليه ليستا سواء، والإشكال فيه باق من وجه ولا مخلص عنه على ما أرى إلا بالذهاب إلى اختلاف الشرطيتين، ولعل النوبة تفضي إن شاء الله تعالى إلى تحقيق ما يتعلق بهذا المقام فتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لاََكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾.
إقامة الشيء جعْله قائماً، كما تقدّم في أول سورة البقرة.
واستعيرت الإقامة لعدم الإضاعة لأنّ الشيء المضاع يكون مُلْقى، ولذلك يقال له : شَيْء لَقًى، ولأنّ الإنسان يكون في حال قيامه أقْدَر على الأشياء، فلذا قالوا : قامتْ السوق.
فيجوز أن يكون معنى إقامة التّوراة والإنجيل إقامة تشريعهما قبل الإسلام، أي لو أطاعوا أوامر الله وعملوا بها سلموا من غَضَبه فلأغْدَق عليهم نعمَه، فاليهود آمنوا بالتَّوراة ولم يقيموا أحكامها كما تقدّم آنفاً، وكفروا بالإنجيل ورفضوه، وذلك أشدّ في عدم إقامَته، وبالقرآننِ.
وقد أوْمأت الآية إلى أنّ سبب ضيق معاش اليهود هو من غضب الله تعالى عليهم لإضاعتهم التّوراة وكفرهم بالإنجيل وبالقرآن، أي فتحتّمت عليهم النقمة بعد نزول القرآن.
ويحتمل أن يكون المراد : لو أقاموا هذه الكتب بعد مجيء الإسلام، أي بالاعتراف بما في التّوراة والإنجيل من التبْشير ببعثة محمّد ﷺ حتّى يؤمنوا به وبما جاء به، فتكون الآية إشارة إلى ضيق معاشهم بعد هجرة الرسول إلى المدينة.