وقال ابن عطية :
أمر تعالى نبيه محمداً عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه ﴿ لستم على شيء ﴾ أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل، وفي إقامة هذين الإيمان بمحمد ﷺ، وقوله تعالى :﴿ وما أنزل إليكم من ربكم ﴾ يعني به القرآن، قاله ابن عباس وغيره ثم أخبر تعالى نبيه أنه سيطغى كثير منهم بسبب نبوة محمد ﷺ ويزيده نزول القرآن والشرع كفراً وحسداً، ثم سلاه عنهم وحقرهم بقوله ﴿ فلا تأس على القوم الكافرين ﴾ أي لا تحزن إذ لم يؤمنوا ولا تبال عنهم، والأسى الحزن يقال أسي الرجل يأسى أسىً إذا حزن، ومنه قول الراجز :
وانحلبت عيناه من فرط الأسى... وأسند الطبري إلى ابن عباس قال : جاء رسول الله ﷺ رافع بن جارية وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وأنك تؤمن بالتوراة وبنبوة موسى وأن جميع ذلك حق؟ قال : بلى، ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم، فقالوا : إنّا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ولا نصدقك ولا نبتعك، فنزلت الآية بسبب ذلك ﴿ قل يا أهل الكتاب ﴾ الآية. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
﴿ قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قال ابن عباس :" جاء جماعة من اليهود إلى النبي ﷺ فقالوا : ألست تُقِرّ أنّ التوراة حقّ من عند الله؟ قال :"بلى".
فقالوا : فإنا نؤمن بها ولا نؤمن بما عَدَاها ؛ فنزلت الآية " ؛ أي لستم على شيء من الدِّين حتى تعملوا بما في الكتابين من الإيمان بمحمد عليه السلام، والعمل بما يوجبه ذلك منهما ؛ وقال أبو علي : ويجوز أن يكون ذلك قبل النّسخ لهما.
الثانية قوله تعالى :﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾ أي يكفرون به فيزدادون كفراً على كفرهم.
والطغيان تجاوز الحدّ في الظلم والغُلو فيه.


الصفحة التالية
Icon