﴿ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين ﴾ أي لا تأسف ولا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم، فإن غائلة ذلك موصولة بهم وتبعته عائدة إليهم، وفي المؤمنين غنى لك عنهم، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر، وقيل : المراد لا تحزن على هلاكهم وعذابهم، ووضع الظاهر موضع الضمير للتنبيه على العلة الموجبة لعدم الأسى، ولا يخلو عن بعد. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾
هذا الّذي أُمر رسول الله ﷺ أن يقوله لأهل الكتاب هو من جملة ما ثبّته الله على تبليغه بقوله :﴿ بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ﴾، فقد كان رسول الله يحبّ تألّف أهل الكتاب وربّما كان يثقل عليه أن يجابههم بمثل هذا ولكن الله يقول الحقّ.
فيجوز أن تكون جملة ﴿ قل يأهل الكتاب ﴾ بياناً لجملة ﴿ بَلِّغ ما أنزل إليك من ربّك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، ويجوز أن تكون استئنافاً ابتدائياً بمناسبة قوله :﴿ يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ].
والمقصود بأهل الكتاب اليهودُ والنّصارى جميعاً ؛ فأمّا اليهود فلأنّهم مأمورون بإقامة الأحكام الّتي لم تنسخ من التوراة، وبالإيمان بالإنجيل إلى زمن البعثة المحمّديّة، وبإقامة أحكام القرآن المهيمن على الكتاب كلّه ؛ وأمّا النّصارى فلأنّهم أعرضوا عن بشارات الإنجيل بمجيء الرسول من بعد عيسى عليهما السّلام.
ومعنى ﴿ لستم على شيء ﴾ نفي أن يكونوا متّصفين بشيءٍ من التّدين والتّقوى لأنّ خَوض الرّسول لا يكون إلاّ في أمر الدّين والهُدى والتَّقوى، فوقع هنا حذف صفة ﴿ شيء ﴾ يدلّ عليها المقام على نحو ما في قوله تعالى :﴿ فأردتُ أن أعيبَها وكان وراءَهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصباً ﴾ [ الكهف : ٧٩ ]، أي كلّ سفينة صالحة، أو غير معيبة.
والشيء اسم لكلّ موجود، فهو اسم متوغّل في التنكير صادق بالقليل والكثير، ويبيّنه السّياق أو القرائن.