ومهما يكن من تخريجات أكثر النحويين وتجويز غيرها فإن القرآن أبلغ كلام فى الوجود لا بد أن يكون فى عدوله عن النصب الذى هو ظاهر السياق إلى الرفع معنى قائم بذاته. فما هو ذلك المعنى ؟ قالوا : إن الصابئين أشد إيغالا فى الكفر من اليهود والنصارى، فكان لا بد من تنبيه خاص بهم ؟ ليكون ذلك تأكيدا لمعنى قبول التوبة والغفران ؟ لأنهم إذا كانوا يغفر لهم وهم على هذه الحال من عبادة الكواكب، وعدم وجود كتاب، وكتمانهم اعتقاداتهم، فأولى ثم أولى أن يغفر لمن دونهم من ذلك الجحود، وهم اليهود والنصارى، ولأن الصابئين يشير بيان الغفران لهم إلى قبول توبة المشركين إذا آمنوا بعد شرك، كما قال تعالى :(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ) الأنفال.
وقد بين سبحانه خبر إن وهو جزاء الإيمان بعد كفر، فقال سبحانه :(من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
هذا هو الخبر، وفيه جزاء الإيمان وما تطلبه حقيقته، فذكر سبحانه أمورا ثلاثة : الإيمان بالله تعالى وذلك يتضمن الإيمان بوحدانيته، وأسمائه الحسنى، وأنه الخالق وحده، والمهيمن على الوجود وحده، وأنه الأزلى الذى ليس له ابتداء، والباقى الذى لا يعروه الفناء، وأنه لا يشبه أحدا من خلقه، وليس كالأشياء، لا يحس، ولا يحتويه مكان، وهو منزه عما تتصف به الحوادث إلى آخر كل ما يقتضيه التنزيه، وليس بوالد ولا ولد، وليس له كفوا أحد، والإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالبعث والنشور، والحساب والعقاب والثواب، وإنها جنة أبدا، أو نار أبدا، وأن الإنسان مجزى بعمله، وإن خيرا فخير أو شرا فشر :( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة.