وقال أبو السعود :
﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة ﴾ شروع في بيان كفر طائفةٍ أخرى منهم، ومعنى قولهم : ثالثُ ثلاثةٍ ورابع أربعة ونحو ذلك أحدُ هذه الأعداد مطلقاً لا الثالثُ والرابعُ خاصة، ولذلك منع الجمهور أن ينصِبَ ما بعده بأن يقال : ثالثٌ ثلاثةً ورابعٌ أربعةً، وإنما ينصبه إذا كان ما بعده دونه بمرتبة، كما في قولك : عاشرٌ تسعةً وتاسعٌ ثمانيةً، قيل : إنهم يقولون إن الإلهية مشتركة بين الله سبحانه وتعالى وعيسى ومريم، وكلُّ واحد من هؤلاء إله، ويؤكده قوله تعالى :﴿ أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ ﴾ فقوله تعالى :﴿ ثالث ثلاثة ﴾ أي أحد ثلاثةِ آلهة، وهو المتبادر من ظاهر قوله تعالى :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد ﴾ أي والحال أنه ليس في الوجود ذاتُ واجبٍ مستحق للعبادة من حيث إنه مبدأُ جميعِ الموجودات إلا إله موصوفٌ بالوحدانية متعالٍ عن قَبول الشِرْكة، و( مِنْ ) مزيدة للاستغراق، وقيل : إنهم يقولون : الله جوهرٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيمَ، أقنومُ الأب وأقنومُ الابن وأقنومُ روح القدس، وإنهم يريدون بالأول الذات وقيل : الوجود، وبالثاني العِلْم، وبالثالث الحياة، فمعنى قوله تعالى :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد ﴾ إلا إله واحد بالذات، منزه عن شائبةِ التعدد بوجهٍ من الوجوه.


الصفحة التالية
Icon