قلت : وفيه نظر، فإنه يجوز أن تكون صِدّيقة مع كونها نبية كإدريس عليه السلام ؛ وقد مضى في "آل عمران" ما يدل على هذا. (١) والله أعلم.
وإنما قيل لها صدّيقة لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به ؛ عن الحسن وغيره. والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله عز وجل :﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ﴾ يعني أن المسيح رسول من الله عز وجل ليس بإله كما أن الرسل الذين كانوا من قبله لم يكونوا آلهة وقد أتى عيسى عليه السلام بالمعجزات الدالة على صدقه كما أن الذين من قبله أتوا بالمعجزات الدالة على صدقهم ﴿ وأمه صديقة ﴾ يعني أنها كثيرة الصدق وقيل : سميت مريم صديقة، لأنها صدقت بآيات ربها وكتبه.
وقوله تعالى :﴿ كانا يأكلان الطعام ﴾ في احتجاج على فساد قول النصارى بإلهية المسيح.
يعني : أن المسيح وأمه مريم كانا بشرين يأكلان الطعام ويعيشان به كسائر بني آدم، فكيف يكون إلهاً مَنْ يحتاج إلى الطعام ولا يعيش إلا به؟ وقيل : معناه أنه لو كان إلهاً كما يزعمون لدفع عن نفسه ألم الجوع وألم العطش ولم يوجد ذلك فكيف يكون إلهاً وقيل هذا كناية عن الحدث وذلك أن كل من أكل وشرب لا بد له من الغائط والبول ومن كانت هذه صفته فكيف يكون إلهاً؟
وبالجملة فإن فساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج إلى إقامة دليل عليه. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾

(١) يرى الإمام القرطبى أن مريم ـ عليها السلام ـ كانت نبية وقد تقدم الرد عليه فى سورة آل عمران عند قوله تعالى " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) " فراجعه وتأمل قول العلامة البقاعى ـ رحمه الله ـ وهذه الآية من أدلة من قال : إن مريم عليها السلام لم تكن نبية، فإنه تعالى ذكر أشرف صفاتها في معرض الرد على من قال بإلهيتهما إشارة إلى بيان ما هو الحق في اعتقاد ما لهما من أعلى الصفات، وأنه من رفع واحداً منها فوق ذلك فقد أطراه، ومن نقصه عنه فقد ازدراه، فالقصد العدل بين الإفراط والتفريط باعتقاد أن أعظم صفات عيسى عليه السلام الرسالة، وأكمل صفات أمه الصديقية.


الصفحة التالية
Icon