وقال ابن كثير :
وقوله :﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ أي : مؤمنة به مصدقة له. وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية، كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق، ونبوة أم موسى، ونبوة أم عيسى استدلالا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم، وبقوله :﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص : ٧]، [قالوا] وهذا معنى النبوة، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيًا إلا من الرجال، قال الله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف : ١٠٩]، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري، رحمه الله، الإجماع على ذلك.
وقوله :﴿ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ﴾ أي : يحتاجان إلى التغذية به، وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ٣ صـ ١٥٨ ـ ١٥٩﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ﴾ لما رد على النصارى قولهم الأول بقول المسيح :﴿ اعبدو الله ربي وربكم ﴾ والثاني بقوله :﴿ وما من إله إلا إله واحد ﴾ أثبت له الرسالة بصورة الحصر، أي ما المسيح ابن مريم شيء مما تدعيه النصارى من كونه إلهاً وكونه أحد آلهة ثلاثة، بل هو رسول من جنس الرسل الذين خلوا وتقدموا، جاء بآيات من عند الله كما جاءوا، فإن أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص على يده، فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى، وفلق البحر، وطمس على يد موسى، وإن خلقه من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر وأنثى.
وفي قوله : إلا رسول رد على اليهود حيث ادعوا كذبه في دعوى الرسالة، وحيث ادعوا أنه ليس لرشده.
وقرأ حطان : من قبله رسل بالتنكير.