وقال الشوكانى :
﴿ ما المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل ﴾
أي هو مقصور على الرسالة، لا يجاوزها كما زعمتم، وجملة ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل ﴾ صفة لرسول أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله، وما وقع منه من المعجزات لا يوجب كونه إلها، فقد كان لمن قبله من الرسل مثلها، فإن الله أحيا العصا في يد موسى، وخلق آدم من غير أب، فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى، ووجوده من غير أب يوجبان كونه إلها؟ فإن كان كما تزعمون إلها لذلك، فمن قبله من الرسل الذين جاؤوا بمثل ما جاء به آلهة، وأنتم لا تقولون بذلك.
قوله :﴿ وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ ﴾ عطف على المسيح، أي وما أمه إلا صدّيقة أي صادقة فيما تقوله أو مصدّقة لما جاء به ولدها من الرسالة، وذلك لا يستلزم الإلهية لها، بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء.
قوله :﴿ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام ﴾ استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر، أي من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس بربّ، بل هو عبد مربوب ولدته النساء، فمتى يصلح لأن يكون رباً؟ وأما قولكم إنه كان يأكل الطعام بناسوته لا بلاهوته، فهو كلام باطل يستلزم اختلاط الإله بغير الإله واجتماع الناسوت واللاهوت، ولو جاز اختلاط القديم بالحادث لجاز أن يكون القديم حادثاً، ولو صحّ هذا في حق عيسى لصح في حق غيره من العباد. أ هـ ﴿فتح القدير حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon