وهذا تعليم عظيم من القرآن بأنّ من حقّ الأمم أن تكون سائرة في طريق إرشاد علمائها وهداتها، وأنّها إذا رامت حمل علمائها وهدَاتها على مسايرة أهوئها، بحيث يُعْصَوْن إذا دَعوا إلى ما يخالف هوى الأقوام فقد حقّ عليهم الخسران كما حقّ على بني إسرائيل، لأنّ في ذلك قلباً للحقائق ومحاولة انقلاب التّابع متبوعاً والقائد مقوداً، وأنّ قادة الأمم وعلماءها ونصحاءها إذا سايروا الأمم على هذا الخُلق كانوا غاشِّين لهم، وزالت فائدة علمهم وحكمتهم واختلط المَرْعِيّ بالهَمَل والحَابِلُ بالنابل، وقد قال رسول الله ﷺ " من استرعاه الله رعيّة فغشّها لم يَشُمّ رائحةَ الجنّة " فالمشركون من العرب أقرب إلى المعذرة لأنّهم قابلوا الرسول من أوّل وهلة بقولهم :﴿ إنّا وجدنا آباءَنَا على أمّة وإنَّا على آثارهم مهتدون ﴾
[ الزخرف : ٢٢ ]، وقال قوم شعيب ﴿ أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ﴾ [ هود : ٨٧ ]، بخلاف اليهود آمنوا برسلهم ابتداء ثُمّ انتقضوا عليهم بالتّكذيب والتّقتيل إذا حملوهم على ما فيه خيرهم ممّا لا يهُوونه.
وتقديم المفعول في قوله :﴿ فريقاً كذّبوا ﴾ لمجرّد الاهتمام بالتفصيل لأنّ الكلام مَسوق مساق التّفصيل لأحوال رُسل بني إسرائيل باعتبار ما لاَقوه من قومهم، ولأنّ في تقديم مفعول ﴿ يقتلون ﴾ رعاية على فاصلة الآي، فقدّم مفعول ﴿ كَذّبوا ﴾ ليكون المفعولان على وتيرة واحدة.
وجيء في قوله :﴿ يَقتلون ﴾ بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار تلك الحالة الفظيعة إبلاغاً في التعجيب من شناعة فاعليها.