" أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلْقَة ( السلاح ) وتكلم أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله ﷺ ثم قال :" بل الدم الدم والهدم والهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم ". وبسط يده ﷺ فبايعوه "
وكانت بيعة العقبة ميثاقاً يضمن لأهل البيعة الجنة إن أوفوا به. وقد أوفوا. وهذا لون من العهود والمواثيق. وحين يخبرنا الحق هنا أنه أخذ من بني إسرائيل الميثاق، فمعنى ذلك أن هناك عهداً موثقاً مؤكداً :﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ﴾ [ المائدة : ٧٠ ].
وقد أخذ الحق الميثاق وأرسل رسلاً بالمنهج، لكنهم كلما جاء إليهم رسول تباحثوا : هل المنهج الذي جاء به على هواهم أولا؟. فإن لم يكن المنهج على هواهم قتلوا الرسول أو كذبوه على الرغم من أن الميثاق عهد مؤكد باتباع الرسول إن جاء بمعجزة ومنهج بلاغاً عن الله وتنفيذاً له في حركة الحياة.
لكنّ بني إسرائيل كانوا يتمردون على مناهج الرسل لأنها لا تأتي بما تهواه أنفسهم وأول التمرد التكذيب. وهو أول خطوة في طريق الإخلال بالميثاق، ولم يكتفوا بالتكذيب، إنما حاولوا حصار الرسول حتى لا يصل المنهج إلى آذان تهتدي به. ولذلك لا يكتفون بالتكذيب بل قد يقتلون الرسول لأنه جاء بما لا تهوى أنفسهم.


الصفحة التالية
Icon