ويتعيّن أنّ ذلك إشارة إلى حادثين عظيمين من حوادث عصور بني إسرائيل بعد موسى عليه السّلام، والأظهر أنّهما حادث الأسْر البابِلي إذ سلّط الله عليهم ( بخنتصر ) ملك ( أشُور ) فدخل بيت المقدّس مرات سنة ٦٠٦ وسنة ٥٩٨ وسنة ٥٨٨ قبل المسيح.
وأتى في ثالثتها على مدينة أورشليم فأحرقها وأحرق المسجد وحَمَل جميع بني إسرائيل إلى بابل أسارى، وأنّ توبة الله عليهم كان مظهرها حين غلب ( كُورش ) ملك ( فَارس ) على الأشوريين واستولى على بابل سنة ٥٣٠ قبل المسيح فأذن لليهود أن يرجعوا إلى بلادهم ويعمّروها فرجعوا وبنوا مسجدهم.
وحادث الخراب الواقع في زمن ( تِيطس ) القائد الرّوماني ( وهو ابن الأنبراطور الرّوماني ( وسبسيانوس ) فإنّه حاصر ( أورشليم ) حتّى اضطرّ اليهود إلى أكل الجلود وأن يأكل بعضُهم بعضاً من الجوع، وقتَل منهم ألفَ ألففِ رجلٍ، وسبى سبعة وتسعين ألفاً، على ما في ذلك من مبالغة، وذلك سنة ٦٩ للمسيح.
ثمّ قفّاه الأنبراطور ( أدريان ) الرّوماني من سنة ١١٧ إلى سنة ١٣٨ للمسيح فهدَم المدينة وجعلها أرضاً وخلط ترابها بالمِلح.
فكان ذلك انقراض دولة اليهود ومدينتهم وتفرّقَهم في الأرض.
وقد أشار القرآن إلى هذين الحديثين بقوله :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفْسِدُنّ في الأرض مرّتَيْن ولتَعَلُنّ عُلُوّاً كبيراً فإذا جاء وعد أُولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولِي بأسسٍ شديد فجاسوا خِلال الدّيار وكان وَعْداً مفعولاً ثُمّ رددنا لكم الكَرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنِين وجعلناكم أكثر نَفيراً إنْ أحسنتُم أحسنتم لأنفسكم وإنْ أسأتم فلها فإذا جاء وعْد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تتبيراً عسى ربّكم أن يرحمكم ﴾ [ الإسراء : ٤ ٨ ] وهذا هو الّذي اختاره القفّال.
وفي الآية أقوال أخر استقصاها الفخر.