﴿ وَفِى العذاب ﴾ أي عذاب جهنم ﴿ هُمْ خالدون ﴾ أبد الآبدين، والجملة في موضع الحال وهي متسببة عما قبلها، وليست داخلة في حيز الحرف المصدري إعراباً كما توهمه عبارة البعض، وتعسف لها عصام الملة بجعل أن مخففة عاملة في ضمير الشأن بتقدير أنه سخط الله تعالى عليهم ﴿ وَفِى العذاب هُمْ خالدون ﴾، وجوز أيضاً أن تكون هذه الجملة معطوفة على ثاني مفعولي ﴿ تَرَى ﴾ بجعلها علمية أي تعلم كثيراً منهم ﴿ يَتَوَلَّوْنَ الذين كَفَرُواْ ﴾ ويخلدون في النار، وكل ذلك مما لا حاجة إليه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾
استئناف ابتدائي ذُكر به حال طائفة من اليهود كانوا في زمن الرّسول ﷺ وأظهروا الإسلام وهم معظم المنافقين وقد دلّ على ذلك قوله :﴿ يَتَولَّوْن الّذين كفروا ﴾، لأنّه لا يستغرب إلاّ لكونه صادراً ممّن أظهروا الإسلام فهذا انتقال لشناعة المنافقين.
والرؤية في قوله ﴿ ترى ﴾ بَصريّة، والخطاب للرّسول.
والمراد بـ ﴿ كثير منهم ﴾ كثير من يهود المدينة، بقرينة قوله ﴿ ترى ﴾، وذلك أنّ كثيراً من اليهود بالمدينة أظهروا الإسلام نفاقاً، نظراً لإسلام جميع أهل المدينة من الأوس والخزرج فاستنكر اليهود أنفسهم فيها، فتظاهروا بالإسلام ليكونوا عيناً ليهود خَيبر وقُريظة والنضِير.
ومعنى ﴿ يتولّون ﴾ يتّخذونهم أولياء.
والمراد بالّذين كفروا مشركو مكّة ومَنْ حَول المدينة من الأعراب الذين بقُوا على الشرك.
ومن هؤلاء اليهود كَعْبُ بن الأشرف رئيسُ اليهود فإنّه كان موالياً لأهل مكّة وكان يغريهم بغزو المدينة.
وقد تقدّم أنّهم المراد في قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً ﴾ [ النساء : ٥١ ].
وقوله ﴿ أنْ سخط الله عليهم ﴾ ( أنْ ) فيه مصدريّة دخلت على الفعل الماضي وهو جائز، كما في "الكشاف" كقوله تعالى :﴿ ولولا أنْ ثَبَّتْنَاك ﴾ [ الإسراء : ٧٤ ]، والمصدر المأخوذ هو المخصوص بالذمّ.
والتّقدير : لبئس ما قدمت بهم أنفسهم سُخْطُ اللّهِ عليهم، فسُخط الله مذموم.
وقد أفاد هذا المخصوص أنّ الله قد غضب عليهم غضباً خاصّاً لموالاتهم الّذين كفروا، وذلك غير مصرّح به في الكلام فهذا من إيجاز الحذف.
ولك أن تجعل المراد بسخط الله هو اللّعنة الّتي في قوله :﴿ لُعِن الّذين كفروا من بني إسرائيل ﴾ [ المائدة : ٧٨ ].
وكون ذلك ممّا قدّمت لهم أنفسهم معلوم من الكلام السابق. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon