فقد تعلّق فعل الملك فيها بمعان لا بأشياء وذوات، وذلك لا يكون إلاّ على جعل الملك بمعنى الاستطاعة القويّة ألا ترى إلى عطف نفي على نفي المِلك على وجه التّرقّي في قوله تعالى :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يَملك رزقاً من السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون ﴾ في سورة النّحل ( ٧٣ ).
وقد تقدّم آنفاً استعمال آخر في قوله :﴿ قل فمن يملك من الله شيئاً إن أرادَ أن يهلك المسيح ابن مريم ﴾ [ المائدة : ١٧ ].
وقُدّم الضَرّ على النّفع لأنّ النّفوس أشدّ تطلّعاً إلى دفعه من تطلّعها إلى جلب النّفع، فكان أعظمَ ما يدفعهم إلى عبادة الأصنام أنّ يستدفعوا بها الأضرار بالنّصر على الأعداء وبتجنّبها إلحاق الإضرار بعابديها.
ووجه الاستدلال على أنّ معبوداتهم لا تملك ضرّاً ولا نفعاً، وقوع الأضرار بهم وتخلّف النّفع عنهم.
فجملة ﴿ والله هو السميع العليم ﴾ في موضع الحال، قُصر بواسطة تعريف الجزأين وضمير الفصل، سببُ النّجدة والإغاثة في حالي السؤال وظهورِ الحالةِ، على الله تعالى قصرَ ادّعاء بمعنى الكمال، أي ولا يسمع كلّ دعاء ويعلم كلّ احتياج إلاّ الله تعالى، أي لا عيسى ولا غيره ممّا عُبِد من دون الله.
فالواو في قوله ﴿ والله هو السّميع العليم ﴾ واو الحال.
وفي موقع هذه الجملة تحقيق لإبطال عبادتهم عيسى ومريم من ثلاثة طرق : طريقِ القصر وطريقِ ضمير الفصل وطريق جملة الحال باعتبار ما تفيده من مفهوم مخالفه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية