ومن فوائد الشيخ سيد قطب فى الآيات السابقة
قال رحمه الله :
﴿ قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ؛ والله هو السميع العليم ﴾ ؟..
ويختار التعبير بكلمة " بما " بدل كلمة " من " في هذا الموضع قصداً. ليدرج " المخلوقات " التي تعبد كلها - بما فيها من العقلاء - في سلك واحد. لأنه يشير إلى ماهيتها المخلوقة الحادثة البعيدة عن حقيقة الألوهية. فيدخل عيسى، ويدخل روح القدس، وتدخل مريم، كلهم في " ما " لأنهم بماهيتهم من خلق الله. ويلقي هذا التعبير ظله كذلك في هذا المقام ؛ فيبعد أن يكون أحد من خلق الله مستحقاً للعبادة ؛ وهو لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً :
﴿ والله هو السميع العليم ﴾..
الذي يسمع ويعلم ؛ ومن ثم يضر وينفع. كما أنه هو الذي يسمع دعاء عبيده وعبادتهم إياه، ويعلم ما تكنه صدورهم وما يكمن وراء الدعاء والعبادة.. فأما ما سواه فلا يسمع ولا يعلم ولا يستجيب الدعاء..
وينهي هذا كله بدعوة جامعة، يكلف رسول الله - ﷺ - أن يوجهها إلى أهل الكتاب :﴿ قل : يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيراً. وضلوا عن سواء السبيل ﴾.
فمن الغلو في تعظيم عيسى - عليه السلام - جاءت كل الانحرافات. ومن أهواء الحكام الرومان الذين دخلوا النصرانية بوثنيتهم، ومن أهواء المجامع المتناحرة كذلك دخلت كل تلك المقولات على دين الله الذي أرسل به المسيح، فبلغه بأمانة الرسول، وهو يقول لهم :﴿ يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم. إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار ﴾.
وهذا النداء الجديد هو دعوة الإنقاذ الأخيرة لأهل الكتاب ؛ ليخرجوا بها من خضم الانحرافات والاختلافات والأهواء والشهوات الذي خاض فيه أولئك الذين ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل..