ولما نهاهم أن يضلوا بأنفسهم، نهاهم أن يقلدوا في ذلك غيرهم فقال :﴿ولا تتبعوا﴾ أي فاعلين فعل من يجتهد في ذلك ﴿أهواء قوم﴾ أي هَوَوا مع ما لهم من القوة، فكانوا أسفل سافلين، والهوى لا يستعمل إلا في البشر ﴿قد ضلوا﴾ ولما كان ضلالهم غير مستغرق للزمان الماضي، أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي من قبل زمانكم هذا عن منهاج العقل فصبروا على ضلالهم وأنسوا بما تمادوا عليه في محالهم ﴿وأضلوا﴾ أي لم يكفهم ضلالُهم في أنفسهم حتى أضلوا غيرهم ﴿كثيراً﴾ أي من الناس بتماديهم في الباطل من التثليث وغيره حتى ظن حقاً ﴿وضلوا﴾ أي بعد بعث النبي ﷺ بمنابذة الشرع ﴿عن سواء﴾ أي عدل ﴿السبيل﴾ أي الذي لا سبيل في الحقيقة غيره، لأن الشرع هو الميزان القسط والحكم العدل، وهذا إشارة إلى أنهم إن لم ينتهوا كانوا على محض التقليد لأسلافهم الذين هم في غاية البعد عن النهج وترك الاهتداء بنور العلم، وهذا غاية في التبكيت، فإن تقليدهم لو كان فيما يشبه الحق كان جهلاً، فكيف وإنما هو تقليد في هوى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥١٧ ـ ٥١٨﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما تكلم أولاً على أباطيل اليهود، ثم تكلم ثانياً على أباطيل النصارى وأقام الدليل القاهر على بطلانها وفسادها، فعند ذلك خاطب مجموع الفريقين بهذا الخطاب فقال ﴿ يا أهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ الحق﴾ والغلو نقيض التقصير.
ومعناه الخروج عن الحد، وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير.
وقوله ﴿غَيْرَ الحق﴾ صفة المصدر، أي لا تغلوا في دينكم غلواً غير الحق، أي غلواً باطلاً، لأن الغلو في الدين نوعان : غلو حق، وهو أن يبالغ في تقريره وتأكيده، وغلو باطل وهو أن يتكلف في تقرير الشبه وإخفاء الدلائل، وذلك الغلو هو أن اليهود لعنهم الله نسبوه إلى الزنا.
وإلى أنه كذاب، والنصارى ادعوا فيه الإلهية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٥٣﴾


الصفحة التالية
Icon