وقال أبو حيان :
﴿ ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ﴾ هؤلاء القوم هم أسلاف اليهود والنصارى ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم كثيراً، ثم عين ما ضلوا عنه وهو السبيل السوي الذي هو وسط في الدين وهو خيرها فلا إفراط ولا تفريط، بل هو سواء معتدل خيار.
وقيل : الخطاب للنصارى، وهو ظاهر كلام الزمخشري قال : قد ضلوا من قبل هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي ﷺ، وأضلوا كثيراً ممن شايعهم على التثليث، وضلوا لما بعث رسول الله ﷺ عن سواء السبيل حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه.
وقال ابن عطية : هذه المخاطبة هي للنصارى الذين غلوا في عيسى، والقوم الذين نهى النصارى عن اتباع أهوائهم والذي دعا إلى هذا التأويل أن النصارى في غلوهم ليسوا على هوى بني إسرائيل، بل هم في الضد بالأقوال، وإنما اجتمعوا في اتباع موضع الهوى.
فالآية بمنزلة قولك لمن تلومه على عوج : هذه الطريقة طريقة فلان تمثله بآخر قد اعوج نوعاً من الاعوجاج وإن اختلفت نوازله.
ووصف تعالى اليهود بأنهم ضلوا قديماً، وأضلوا كثيراً من أتباعهم، ثم أكد الأمر بتكرار قوله : وضلوا عن سواء السبيل.
وذهب بعض المتأولين إلى أنّ المعنى : يا أهل الكتاب من النصارى لا تتبعوا أهواء هؤلاء اليهود الذين ضلوا من قبل أي : ضل أسلافهم، وهم قبل مجيء محمد ﷺ، وأضلوا كثيراً من المنافقين، وضلوا عن سواء السبيل الآن بعد وضوح الحق انتهى.
ولا حاجة لإخراج الكلام عن ظاهره من أنه نداء لأهل الكتاب طائفتي : اليهود، والنصارى.
وأن قوله : ولا تتبعوا أهواء قوم، هم أسلافهم.
فإن الزائغ عن الحق كثيراً ما يعتذر أنه على دين أبيه وطريقته، كما قالوا :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾ فنهوا عن اتباع أسلافهم، وكان في تنكير قوم تحقير لهم.
وما ذهب إليه الزمخشري تخصيص لعموم من غير داعية إليه.


الصفحة التالية
Icon