أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :(كَثِيرٌ مِنْهُمْ) فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ " عَمُوا وَصَمُّوا " أَوْ هُوَ الْفَاعِلُ وَالْوَاوُ عَلَامَةُ الْجَمْعِ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنَ الْأَزْدِ الَّتِي يُعَبِّرُ النُّحَاةُ بِكَلِمَةِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ " أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ "، وَالْمُرَادُ أَنَّ عَمَى الْبَصِيرَةِ وَالْخَتْمَ عَلَى السَّمْعِ لَمْ يَكُنْ عَامًّا مُسْتَغْرِقًا لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْكَثِيرُ الْغَالِبُ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي تَفْسِيرِ (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) بَيَانُ حِكْمَةِ هَذَا التَّدْقِيقِ فِي الْقُرْآنِ بِنِسْبَةِ الْفَسَادِ لِلْكَثِيرِ أَوِ الْأَكْثَرِ فِي الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُ اللهُ الْأُمَمَ بِالذُّنُوبِ إِذَا كَثُرَتْ وَشَاعَتْ فِيهَا ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ، وَالْقَلِيلُ النَّادِرُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الصَّلَاحِ أَوِ الْفَسَادِ الْعَامِّ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٨ : ٢٥) وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَعِلَّتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَحِكْمَتُهُ بَاهِرَةٌ.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) الْآنَ مِنَ الْكَيْدِ لِخَاتَمِ الرُّسُلِ ; فَاتِّبَاعُ الْهَوَى قَدْ