ثُمَّ انْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ اسْتِبَانَةِ الْحَقِّ بِهَا، وَالِانْتِقَالِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا إِلَى نَتَائِجِهَا، كَأَنَّ عُقُولَهُمْ قَدْ فَقَدَتْ بِالتَّقْلِيدِ وَظِيفَتَهَا ؟ !
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
أَقَامَ اللهُ تَعَالَى الْبُرْهَانَ مِنْ حَالِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ عَلَى بُطْلَانِ كَوْنِهِ إِلَهًا، وَبَيَّنَ مَا يُشَارِكَانِ بِهِ أَشْرَفَ الْبَشَرِ مِنَ الْمَزِيَّةِ الْخَاصَّةِ، وَمَا يُشَارِكَانِ بِهِ سَائِرَ الْبَشَرِ مِنْ صِفَاتِهِمُ الْعَامَّةِ. وَقَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِالتَّعْجِيبِ مِنْ بُعْدِ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ قُوَّةِ الْآيَاتِ الَّتِي حَجَّهُمْ بِهَا، وَشِدَّةِ انْصِرَافِهِمْ عَنْهَا، ثُمَّ لَقَّنَ نَبِيَهُ حُجَّةً أُخْرَى يُورِدُهَا فِي سِيَاقِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَتَبْكِيتِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ مَا لَا فَائِدَةَ فِي عِبَادَتِهِ، فَقَالَ :(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ، لِهَؤُلَاءِ النَّصَارَى وَأَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ، أَتَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللهِ - أَيْ مُتَجَاوِزِينَ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ - مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا تَخْشَوْنَ أَنْ يُعَاقِبَكُمْ بِهِ إِذَا تَرَكْتُمْ عِبَادَتَهُ، وَتَرْجُونَ أَنْ يَدْفَعَهُ


الصفحة التالية
Icon