وقال البيضاوى :
﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَالا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾ يعني عيسى عليه الصلاة والسلام، وهو وإن ملك ذلك بتمليك الله سبحانه وتعالى إياه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله تعالى به من البلايا والمصائب، وما ينفع به من الصحة والسعة وإنما قال ما نظراً إلى ما هو عليه في ذاته توطئة لنفي القدرة عنه رأساً، وتنبيهاً على أنه من هذا الجنس ومن كان له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة فبمعزل عن الألوهية، وإنما قدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع. ﴿ والله هُوَ السميع العليم ﴾ بالأقوال والعقائد فيجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر. أ هـ ﴿تفسير البيضاوى حـ ٢ صـ ٣٥٤ ـ ٣٥٥﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً ﴾ لما بين تعالى بدليل النقل والعقل انتفاء الإلهية عن عيسى، وكان قد توعدهم ثم استدعاهم للتوبة وطلب الغفران، أنكر عليهم ووبخهم من وجه آخر وهو عجزه وعدم اقتداره على دفع ضرر وجلب نفع، وأنّ مَن كان لا يدفع عن نفسه حريّ أن لا يدفع عنكم.
والخطاب للنصارى، نهاهم عن عبادة عيسى وغيره، وأن ما يعبدون من دون الله مساويهم في العجز وعدم القدرة.
والمعنى : ما لا يملك لكم إيصال خير ولا نفع.
قيل : وعبر بما تنبيهاً على أول أحواله، إذْ مرّت عليه أزمان حالة الحمل لا يوصف بالعقل فيها، ومن هذه صفته فكيف يكون إلهاً، أو لأنها مبهمة كما قال سيبويه.
وما : مبهمة تقع على كل شيء، أو أريد به ما عبد من دون الله ممن يعقل، وما لا يعقل.
وعبر بما تغليباً لغير العاقل، إذ أكثر ما عبد من دون الله هو ما لا يعقل كالأصنام والأوثان، أو أريد النوع أي : النوع الذي لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً كقوله :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ أي النوع الطيب، ولما كان إشراكهم بالله تضمن القول والاعتقاد جاء الختم بقوله :


الصفحة التالية
Icon