لقد عرفوا صدق النبي ﷺ وحقيقة رسالته - ما في ذلك ريب - ولكن لأن لهم أهواء أصرّوا على الضلال تمسكاً بالسلطة الزمنية. هم يعرفون أن محمداً هو الأمين. ولذلك نرى سيدنا رسول الله ﷺ يدع عليّاً - كرم الله وجهه - ويتركه في مكة ليؤدي الأمانات التي كانت عنده لهؤلاء جميعاً.
إذن ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾. أي أنك يا رسول الله عندهم الصادق. أنت عندهم يا رسول الله الأمين. أنت عندهم يا رسول الله في منتهى السمو الخلقي. ولو لم تقل أنك رسول من الله لكانوا قد رفعوك إلى أعلى المنازل. ولكنك ببلاغك عن الله زلزلت سلطتهم الزمنية.
ولقد حاولوا أن يثنوك عن الرسالة، فعرضوا عليك الملك، وعرضوا عليك الثراء، ولو كنت تقصد شيئاً من ذلك لحققوا لك ما تريد. ولكنك تختار البلاغ الأمين عن الله.
لقد عرضوا عليك الملك طواعية. وعرضوا عليك الثروة. وزينوا لك أمر السيادة فيهم شريطة أن تتخلى عن الرسالة. لكنك تختار السبيل الواضح الذي لا لبس فيه على الرغم مما فيه من متاعب، تختار السبيل الذي يكلفك أمنك وأمن من يتبعك. إنك تتبع ما أنزل إليك من ربك.
ومن بعد ذلك جاءوا ليحاصروك في الشِّعب ليمارسوا معك الحصار الاقتصادي بتجويعك وتجويع من معك.