وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ﴾ التناهي : تفاعل من النهي، أي : كانوا لا ينهى بعضهم بعضاً عن المنكر.
وذكر المفسّرون في هذا المنكر ثلاثة أقوال.
أحدها : صيدُ السّمك يوم السبت.
والثاني : أخذ الرشوة في الحكم.
والثالث : أكل الربا، وأثمان الشحوم، وذِكْر المنكر منكَّراً يدل على الإِطلاق، ويمنع هذا الحصر، ويدلُ على ما قلنا، ما روي عن النبي ﷺ أنه قال :" إِن الرجل من بني إِسرائيل كان إِذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه، فلما رأى الله تعالى ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ".
قوله تعالى :﴿ لبئس ما كانوا يفعلون ﴾ قال الزجاج : اللاّم دخلت للقسم والتوكيد، والمعنى : لبئس شيئاً فعلهم. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ﴾ ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك أي : لا ينهى بعضهم بعضاً، وذلك أنهم جمعوا بن فعل المنكر والتجاهر به، وعدم النهي عنه.
والمعصية إذا فعلت وقدرت على العبد ينبغي أن يستتر بها من ابتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر، فإذا فعلت جهاراً وتواطؤاً على عدم الإنكار كان ذلك تحريضاً على فعلها وسبباً مثيراً لإفشائها وكثرتها.
قال الزمخشري :( فإن قلت ) : كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيراً للمعصية؟ ( قلت ) : من قبل أنّ الله تعالى أمر بالتناهي، فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء، لأنّ في التناهي حسماً للفساد.
وفي حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :" إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك.


الصفحة التالية