واعترض الأول بأن المعاودة كالنهي لا تتعلق بالمنكر المفعول، فلا بد من المصير إلى أحد الأمرين الأخيرين، وفيهما من التعسف ما لا يخفى، وقيل : إن الإشكال إنما يتوجه لو لم يكن الكلام على حد قولنا : كانوا لا ينهون يوم الخميس عن منكر فعلوه يوم الجمعة مثلاً، فإنه لا خفاء في صحته، وليس في الكلام ما يأباه، فليحمل على نحو ذلك.
وقوله سبحانه :﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ تقبيح لسوء فعلهم وتعجيب منه، والقسم لتأكيد التعجيب، أو للفعل المتعجب منه، وفي هذه الآية زجر شديد لمن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه عن حذيفة بن اليمان أن النبي ﷺ قال :" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله تعالى أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم "، وأخرج أحمد عن عدي بن عميرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله تعالى الخاصة والعامة "، وأخرج الخطيب من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النبي ﷺ أنه قال :" والذي نفس محمد ﷺ بيده ليخرجن من أمتي أناس من قبورهم في صورة القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون " والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيها ترهيب عظيم، فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبئهم به. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ كانوا لا يتناهَوْن عن منكر فعلوه ﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال ينشأ عن قوله :﴿ ذلك بما عَصوا ﴾، وهو أن يقال كيفَ تكون أمّة كلّها مُتمالئة على العصيان والاعتداء، فقال :﴿ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ﴾.