وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ سَهْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَيَانُهُ أَنَّ تِلْكَ الشَّرِيعَةَ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا دَائِمَةً، فَكَانَتْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَى تَكْوِينِ أُمَّةٍ مُوَحِّدَةٍ بَيْنَ أُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ، وَكَانَ الْمُصْلِحُونَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ يَتَعَاهَدُونَ أَهْلَهَا زَمَنًا بَعْدَ زَمَنٍ بِالْإِصْلَاحِ الْمَعْنَوِيِّ، كَإِلَهِيَّاتِ زَبُورِ دَاوُدَ، وَأَدَبِيَّاتِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ; حَتَّى لَا تَغْلِبَ عَلَى الْقَوْمِ الْمَادِّيَّةُ وَتُفْسِدَهُمُ الْأَثَرَةُ، ثُمَّ جَاءَ مُصْلِحُ إِسْرَائِيلَ الْأَعْظَمُ عِيسَى الْمَسِيحُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَنْقُضُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى نَقِيضِهِ أَوْ ضِدِّهِ، فَقَابَلَ مُبَالَغَتَهُمْ فِي الْمَادِّيَّةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الرُّوحَانِيَّةِ، وَمُبَالَغَتَهُمْ فِي الْأَثَرَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيثَارِ الَّذِي تُعَبِّرُ عَنْهُ النَّصَارَى بِإِنْكَارِ الذَّاتِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْجُمُودِ عَلَى ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى مَقَاصِدِهَا، فَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ السِّيَادَةَ وَالْغِنَى، وَذَمَّ التَّمَتُّعَ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا، وَأَمَرَ بِمَحَبَّةِ الْأَعْدَاءِ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ عَلَى الْإِيذَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْهِيدًا لِإِكْمَالِ اللهِ تَعَالَى دِينَهُ بِإِرْسَالِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، الْبَارَقْلِيطُ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَلِّمُهُمْ وَيُعَلِّمُ غَيْرَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ، فَيَجْمَعُ لِلْبَشَرِ بَيْنَ مَصَالِحِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَيَأْمُرُ


الصفحة التالية
Icon