قال القاضي أبو محمد : هذا معنى قول الطبري وهو كلام صحيح، وكان ابن عباس رضي الله عنه خصص أمة محمد عليه السلام لقول الله تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع ﴾ أي بالدمع وهو في موضع الحال ؛ وكذا ﴿ يَقُولُونَ ﴾.
وقال امرؤ القيس :
ففاضت دموع العينِ مِنّي صبابةً...
على النَّحْرِ حتى بَلَّ دَمْعِي مِحْمَلِي
وخبر مستفيض إذا كثر وانتشر كفيض الماء عن الكثرة.
وهذه أحوال العلماء يبكون ولا يصعقون، ويسألون ولا يصيحون، ويتحازنون ولا يتموّتون ؛ كما قال تعالى :﴿ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ﴾ [ الزمر : ٣٢ ] وقال :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢ ] وفي "الأنفال" يأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى.
وبيّن الله سبحانه في هذه الآيات أن أشد الكفار تمرداً وعتوّا وعداوة للمسلمين اليهود، ويضاهيهم المشركون، وبيّن أن أقربهم مودّة النَّصارى.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾ أي مع أُمة محمد ﷺ الذين يشهدون بالحق من قوله عز وجل :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] عن ابن عباس وابن جُرَيج.
وقال الحسن : الذين يشهدون بالإيمان.
وقال أبو عليّ : الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك.
ومعنى "فاكتبنا" اجعلنا، فيكون بمنزلة ما قد كُتب ودُوّن. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon