" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى :﴿ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين ﴾ :" مَا " استفهاميَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداء، و" لَنَا " جارٌّ ومجرورٌ خبرهُ، تقديرُه : أيُّ شيءٍ اسْتَقَرَّ لنا، و" لا نُؤمِنُ " جملة حالية، وقد تقدَّم الكلام على نظير هذه الآية، وأنَّ بعضهم قال : إنها حالٌ لازمةٌ لا يتمُّ المعنى إلا بها ؛ نحو :﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ﴾ [ المدثر : ٤٩ ]، وتقدَّم ما قلتُه فيه، فأغْنَى ذلك عن إعادته، وقال أبو حيان هنا :" وهي المقصودُ وفي ذكرهَا فائدةُ الكلامِ ؛ وذلك كما تقول :" جَاء زَيْدٌ رَاكِباً " لِمَنْ قال : هَلْ جَاءَ زَيْدٌ مَاشِياً أو رَاكِباً؟ ".
فصل
قوله :" وَمَا جَاءَنَا " في محلِّ " مَا " وجهان :
أحدهما : أنه مجرور نسقاً على الجلالة، أي : بالله وبِمَا جَاءَنَا، وعلى هذا فقوله :" مِنَ الحَقِّ " فيه احتمالان :
أحدهما : أنه حالٌ من فاعل " جَاءَنَا "، أي : جاء في حال كونه من جِنْسِ الحقِّ.
والاحتمال الآخر : أن تكونَ " مِنْ " لابتداء الغاية، والمرادُ بالحقِّ الباري تعالى، وتتعلَّقُ " مِنْ " حينئذ بـ " جَاءَنَا " ؛ كقولك :" جَاءَنَا فلانٌ مِنْ عِنْدِ زَيْدٍ ".
والثاني : أنَّ محلَّه رفعٌ بالابتداء، والخبر قوله :" مِنَ الحَقِّ "، والجملةُ في موضع الحال، كذا قاله أبو البقاء، ويصيرُ التقدير : وما لَنَا لا نُؤمِنُ بالله، والحالُ أنَّ الذي جاءنا كَائِنٌ من الحَقِّ، و" الحقُّ " يجوز أن يُرادَ به القرآنُ ؛ فإنه حقٌّ في نفسه، ويجوزُ أن يُرادَ به الباري تعالى - كما تقدمَ - والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تَضَمَّنَهُ قولُه " لَنَا ".
قوله :" وَنَطْمَعُ " في هذه الجملة ستَّة أوجه :
أحدها : أنها منصوبة المحلِّ ؛ نسقاً على المحكيِّ بالقول قبلها، أي : يقولُونَ كذا ويقولون نطمعُ وهو معنًى حسنٌ.
الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير المستتر في الجارِّ الواقعِ خبراً وهو " لَنَا " ؛ لأنه تضمَّنَ الاستقرارَ، فرفع الضمير وعملَ في الحال، وإلى هذا ذهب الزمخشري ؛ فإنه قال :" والواوُ في " ونَطْمَعُ " واوُ الحال، فإن قلتَ : ما العاملُ في الحال الأولى والثانية؟ قلتُ : العاملُ في الأولى ما في اللام من معنى الفعلِ ؛ كأنه قيل : أيُّ شيءٍ حَصَل لنا غَيْرَ مؤمِنينَ، وفي الثانية معنى هذا الفعل، ولكن مقيَّداً بالحال الأولى ؛ لأنك لو أزَلْتَها، وقلت :" مَا لَنَا وَنَطْمَعُ "، لم يكنْ كلاماً ".
قال شهاب الدين : وفي هذا الكلام نظرٌ، وهو قولُه :" لأنَّكَ لَوْ أزَلْتَه...