وَالشَّارِعُ حَكِيمٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّوْبَةِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَحْصُلُ الدَّوَاءُ بِالتِّرْيَاقِ وَغَيْرِهِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الشُّرْبِ أَمْ لَا ؟ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ هَذَا وَكَانَتْ آخِرَتُهُ إلَى التَّوْبَةِ النَّصُوحِ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْعَفْوِ عَمَّا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا لَيْسَ صَلَاحُهُ إلَّا فِي أَنْ يُذْنِبَ وَيَتُوبَ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا مِنْهُ لَوْ لَمْ يُذْنِبْ وَيَتُبْ ؛ لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَحِكْمَتِهِ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْإِنْسَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَلَيْسَ مَا يَفْعَلُهُ خَلْقًا - لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ - يَجُوزُ لِلرُّسُلِ وَلِلْعِبَادِ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَيَأْمُرُوا بِهِ. وَقِصَّةُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى لَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِشَرْعِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَلَا فَعَلَ الْخَضِرُ مَا فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ مُقَدَّرًا كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ ؛ بَلْ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ مَا عَلِمَهُ الْخَضِرُ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مُحَرَّمًا مُطْلَقًا ؛ وَلَكِنْ خَرَقَ السَّفِينَةَ وَقَتَلَ الْغُلَامَ وَأَقَامَ الْجِدَارَ فَإِنَّ إتْلَافَ بَعْضِ الْمَالِ لِصَلَاحِ أَكْثَرِهِ هُوَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ دَائِمًا. وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ الصَّائِلِ لِحِفْظِ دِينِ غَيْرِهِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَصَبْرُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْجُوعِ مَعَ إحْسَانِهِ إلَى غَيْرِهِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ. فَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْأُمُورِ مَا ظَاهِرُهُ فَسَادٌ