حَذَفَ الْمَفْعُولَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَقُلْ فَلَا تَعْتَدُوا فِيهَا أَوْ فَلَا تَعْتَدُوهَا كَمَا قَالَ :(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) (٢ : ٢٢٩) لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ، اعْتِدَاءُ الطَّيِّبَاتِ نَفْسِهَا إِلَى الْخَبَائِثِ، وَالِاعْتِدَاءُ فِيهَا بِالْإِسْرَافِ، لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ بِمَا يُنَفِّرُ عَنْهُ فَقَالَ :.
(إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الَّذِينَ يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ شَرِيعَتِهِ، وَسُنَنِ فِطْرَتِهِ وَلَوْ بِقَصْدِ عِبَادَتِهِ، وَتَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتُ الْمُحَلَّلَةُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ بِيَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْتِزَامٍ وَكَلَاهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَالِالْتِزَامُ قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا بِالْحِرْمَانِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ لِإِرْضَاءِ بَادِرَةِ غَضَبٍ، بِإِغَاظَةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ، كَمَنْ يَحْلِفُ بِاللهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ (وَمِثْلُهُ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ) أَوْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْحَلِفِ وَالنَّذْرِ مِنَ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَمِنْ هَذَا الصِّنْفِ مَنْ يَقُولُ : إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَفِي الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.