ثُمَّ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ بِالْإِصْلَاحِ الْأَعْظَمِ، فَأَبَاحَ لِلْبَشَرِ عَلَى لِسَانِهِ الزِّينَةَ وَالطَّيِّبَاتِ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْبَدَنِ حَقَّهُ وَالرُّوحَ حَقَّهَا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ رُوحٍ وَجَسَدٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْكَمَالُ الْبَشَرِيُّ، فَكَانَتِ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِذَلِكَ أُمَّةً وَسَطًا صَالِحَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ وَأَنْ تَكُونَ حُجَّةَ اللهِ عَلَيْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ جَدِيرَةً بِالْبَحْثِ عَنْ أَسْرَارِ الْخَلْقِ وَمَنَافِعِهِ، وَتَسْخِيرِهِ قُوَى الْأَرْضِ وَالْجَوَّ لِلتَّمَتُّعِ بِنِعَمِ اللهِ فِيهَا مَعَ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهَا قَصَّرَتْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ انْقَطَعَتْ مِنَ السَّيْرِ فِي طَرِيقِهِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ سَلَفُهَا شَرْطًا وَاسِعًا فِيهِ.