الْحَدَّ وَأَسْرَفُوا. وَقِيلَ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى الْإِسْرَافِ وَتَنَاوُلِ الْحَرَامِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ آكِلَ الطَّيِّبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْمُعْتَدِيَ فِيهَا لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ لِأَجْلِ الْإِسْرَافِ فِي ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ بِالزُّهْدِ تَرْكُ مَا يَضُرُّ الْعَبْدَ فِي الْآخِرَةِ وَبِالْعِبَادَةِ فِعْلُ مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ فَإِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ مَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَيَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ وَفَعَلَ مِنْ الْعِبَادَةِ مَا يَضُرُّ فَقَدْ اعْتَدَى وَأَسْرَفَ وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ زُهْدًا نَافِعًا وَعِبَادَةً نَافِعَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وقتادة والنَّخَعِي :﴿ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾ أَيْ لَا تَجُبُّوا أَنْفُسَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا تَسِيرُوا بِغَيْرِ سِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ : مِنْ تَرْكِ النِّسَاءِ وَدَوَامِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ : لَا تُحَرِّمُوا الْحَلَالَ وَعَنْ الْحَسَنِ لَا تَأْتُوا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مَا أُرِيدَ بِهِ لَا تُحَرِّمُوا الْحَلَالَ وَلَا تَفْعَلُوا الْحَرَامَ ؛ فَيَكُونُ قَدْ نَهَى عَنْ النَّوْعَيْنِ ؛ لَكِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ وَسِيَاقَهَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ وَقَوْلِهِ فِي تَمَامِ الْآيَةِ :﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ
وَقَوْلِ الْآخَرِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ. كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَكَذَلِكَ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ.