﴿ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ لأن التعرض والاعتداء حينئذ مكابرة محضة وعدم مبالاة بتدبير الله تعالى وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية، ومن لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهينة لا يكاد يراعيه في عظائم المداحض.
والمتبادر على ما قيل : أن هذا العذاب الأليم في الآخرة، وقيل : هو في الدنيا.
فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق قيس بن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : هو أن يوسع ظهره وبطنه جلداً ويسلب ثيابه وكان الأمر كذلك في الجاهلية أيضاً، وقيل : المراد بذلك عذاب الدارين وإليه ذهب شيخ الإسلام.
ومناسبة الآية لما قبلها على ما ذكره الأجهوري أنه سبحانه لما أمرهم أن لا يحرموا الطيبات وأخرج من ذلك الخمر والميسر وجعلهما حرامين، وإنما أخرج بعد من الطيبات ما يحرم في حال دون حال وهو الصيد، ثم إنه عز اسمه شرع في بيان ما يتدارك به الاعتداء من الأحكام إثر بيان ما يلحقه من العذاب. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ﴾ تصريح بالتحذير الذي أومأ إليه بقوله ﴿ ليبلونّكم ﴾، إذ قد أشعر قوله :﴿ ليبلونّكم ﴾ أنّ في هذا الخبر تحذيراً من عمل قد تسبق النفس إليه.
والإشارة بذلك إلى التحذير المستفاد من ﴿ ليبلونّكم ﴾، أي بعدما قدّمناه إليكم وأعذرنا لكم فيه، فلذلك جاءت بعده فاء التفريع.
والمراد بالاعتداء الاعتداء بالصيد، وسمّاه اعتداء لأنّه إقدام على محرّم وانتهاك لحرمة الإحرام أو الحرم.
وقوله :﴿ فله عذاب أليم ﴾، أي عقاب شديد في الآخرة بما اجترأ على الحرم أو على الإحرام أو كليهما، وبما خالف إنذار الله تعالى، وهذه إذا اعتدى ولم يتدارك اعتداءه بالتوبة أو الكفارة، فالتوبة معلومة من أصول الإسلام، والكفارة هي جزاء الصيد، لأنّ الظاهر أنّ الجزاء تكفير عن هذا الاعتداء كما سيأتي.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : العذاب الأليم أنّه يوسَع بطنُه وظهرُه جلْداً ويُسلَبُ ثيابَه وكان الأمر كذلك به في الجاهلية".
فالعذاب هو الأذى الدنيوي، وهو يقتضي أنّ هذه الآية قرّرت ما كان يفعله أهل الجاهلية، فتكون الآية الموالية لها نسخاً لها.
ولم يقل بهذا العقاب أحد من فقهاء الإسلام فدلّ ذلك على أنّه أبطل بما في الآية الموالية، وهذا هو الذي يلتئم به معنى الآية مع معنى التي تليها.
ويجوز أن يكون الجزاء من قبيل ضمان المتلفات ويبقى إثم الاعتداء فهو موجب العذاب الأليم.
فعلى التفسير المشهور لا يسقطه إلاّ التوبة، وعلى ما نقل عن ابن عباس يبقى الضرب تأديباً، ولكن هذا لم يقل به أحد من فقهاء الإسلام، والظاهر أنّ سَلَبَه كان يأخذه فقراء مكة مثل جِلال البُدن ونِعالها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
لطيفة
قال فى روح البيان :
والإشارة فى الآية أن الله تعالى جعل البلاء للولاء كاللهب للذهب. أ هـ ﴿روح البيان حـ ٢ صـ ٥٢٨﴾