مُهدى الراوية يدل على أنه كان لم يبلغه الناسخ، وكان متمسكاً بالإباحة المتقدّمة، فكان ذلك دليلاً على أن الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ كما يقوله بعض الأُصوليين بل ببلوغه كما دل عليه هذا الحديث، وهو الصحيح ؛ لأن النبي ﷺ لم يوبخه، بل بيّن له الحكم ؛ ولأنه مخاطب بالعمل بالأوّل بحيث لو تركه عصى بلا خلاف، وإن كان الناسخ قد حصل في الوجود، وذلك كما وقع لأهل قُبَاء ؛ إذ كانوا يُصلّون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم الآتي فأخبرهم بالناسخ، فمالوا نحو الكعبة.
وقد تقدّم في سورة "البقرة" والحمد لله ؛ وتقدّم فيها ذكر الخمر واشتقاقها والميسر.
وقد مضى في صدر هذه السورة القول في الأنصاب والأزلام.
والحمد لله.

فصل :


قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر ﴾.
الآية.
أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا بسبب الخمر وغيره، فحذّرنا منها، ونهانا عنها.
روى أن قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر وانتشوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما صَحَوا رأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، فجعل بعضهم يقول : لو كان أخي بي رحيماً ما فعل بي هذا، فحدثت بينهم الضغائن ؛ فأنزل الله :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء ﴾ الآية.
الخامسة عشرة قوله تعالى :﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة ﴾ يقول : إذا سكِرتم لم تذكروا الله ولم تصلوا، وإن صليتم خلط عليكم كما فعل بعليّ، وروى : بعبد الرحمن كما تقدّم في "النساء".
وقال عبيد الله بن عمر : سئل القاسم بن محمد عن الشِّطْرَنج أهي ميسر؟ وعن النّرد أهو ميسر؟ فقال : كلّ ما صدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
قال أبو عبيد : تأوّل قوله تعالى :﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾. بتصرف يسير.


الصفحة التالية
Icon